کد مطلب:309790 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:287

القسمت 27


طلع الفجر و تنفس الصباح.. و زقزقت العصافیر فی أعشاشها.. واستیقظت الكائنات لتبدأ یوماً جدیداً...

رماد الفجر یتبدد شیئاً فشیئاً.. وزرقه السماء الفیروزیة تصبح شفّافة رائعة... و قد بزغت الشمس.. تألّقت خلف ذری النخیل.

بدت الحصون ذلك الصباح كابوساً یجثم فوق الصدور. صخرة تحطّمت فوقها المعاول...

تحلّق المسلمون حول النبی.. یتطلّعون إلی رجل یحب اللَّه و رسوله و یحبه اللَّه و رسوله...

و هتف النبی:

- أین علی؟

وتقدم فتی فی الثلاثین أو یزید فاستلم رایة العقاب وراح یصغی إلی صوت سماوی:


- انفذ علی رسلك حتی تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلی الإسلام فان لم یستجیبوا فقاتلهم.. انطلق فتح اللَّه علیك.

كان علی علیّ أن یقود نفس القوة التی هزمت مرتین... فقد عادت مرّة تلوم أبابكر و أبوبكر یلومها.. و عادت تحت رایة عمر تجبنه و یجبنها...

هرول علی لیبث الحماس فی جنوده فبدا بحلّته الارجوانیة جمرة متألّقة... و عند ما صار قریباً من «القموص» نزع درعه لیكون أكثر قدرة فی الحركة، و أمر جنوده أن یفعلوا ذلك.

رفض الیهود ساخرین دعوة الإسلام ونداء السلام. و كان خیار الحرب هو الطریق لإحراق العجل.

كان منظر علیّ بلا درع قد حرّك شهوة الغدر و الانتقام فی نفوسهم... فراح شجعانهم یخرجون مدججین بالسلاح.. و كانوا یتساقطون الواحد تلو الآخر عند قدمیه.

الذین كانوا یراقبون الصراع.. أدركوا أن هناك سرّاً فی انتصار علیّ.. رأوا بأُمّ أعینهم كیف هزم الحدید أمام قلب المؤمن..

وهبط «مرحب» درجات الحصن.. كتلة هائلة من الحدید والبأس.. فی قبضته حربة ذات ثلاث رؤوس كأفعی اسطوریة.. تقدم «مرحب» ینقل خطاه المثقلة بالزرد و الحدید.. لیس هناك فی كلّ


جسده الفارع ثغرة یمكن للسیف أن ینفذ فیها.

وتوقع المسلمون والیهود.. توقعوا جمیعاً نهایة علی.. تقدّمت كتلة الحدید.. ووجه مرحب حربته برؤوسها الثلاثة.. وكادت أن تنفذ فی صدر علیّ.

ارتدّ علیّ إلی الوراء ثم قفز فی الهواء لیهوی بضربة هائلة أودعها غضب السماء... تحطّم الحدید. مرّت لحظة صمت قبل أن ترتطم كتلة هائلة بالأرض محدثة دوّیاً تتخلع له القلوب المذعورة. وقد قتل داوود جالوت، واندفع علیّ بعد أن حطّم الغرور الیهودی إلی باب الحصن... لینتزعه وسط دهشة الجمیع، وأصبح جسراً فوق الخندق یندفّق عبره المهاجمون.. و سرعان ما سقط «القموص» و «الوطیح» و «السلالم» و سقطت خیبر كلها..

اطلق العجل صرخة استغاثة قبل أن یحترق.. و تذرو الریح رماده فی الصحراء، و كان السامریون قد أقسموا قالوا:

- لن نبرح علیه عاكفین حتی یرجع الینا موسی.

و قال لهم اللَّه: كونوا قردة خاسئین.

طارت الفرحة للنبیّ فراشةً ترفرف... علی یصنع الفرح لمحمد...

وها هو أخوه جعفر یعود من أرض الحبشة... عاد یمخر البحر الأحمر و یطوی رمال الصحاری و معه الذین آمنوا... الذین اخرجوا من


دیارهم بغیر حقّ إلّا أن قالوا ربنا اللَّه.

وعانق النبیّ أخاً لعلیّ وابناً لحامی آخر النبوّات فی التاریخ، هتف النبی و ینابیع الفرح تتدفق من عینیه:

- ما أدری بأیهما أشدّ سروراً. بقدوم جعفر أم بفتح خیبر.

و قال أبوحفص لما رأی اسماء:

- هذه البحریة، هذه الحبشیة.

و التفت الیها قائلاً:

- لقد سبقناكم فی الهجرة... فنحن أحقّ برسول اللَّه منكم.

بركان غضب ینفجر فی أعماق امرأة هاجرت مرّتین... أعلنت اضرابها عن الطعام حتی تری رسول السماء...

- یا رسول اللَّه ان ابن الخطاب یقول نحن أحقّ برسول اللَّه سبقناكم بالهجرة.

قال النبیّ:

- فما كان جوابك له؟

قالت أسماء:

- قلت له: كلّا واللَّه كنتم مع رسول اللَّه یطعم جائعكم و یعظ جاهلكم.. و كنا فی أرض البغضاء بالحبشة.

- أجل واللَّه.. انه لیس بأحقّ بی منكم.. له و لأصحابه هجرة


ولكم أهل السفینة هجرتان.

غادرت الأفاعی جحورها... محطمة الأنیاب.. وعاد السلام یرفرف فوق الأرض... وشدّ السامری الرحال. التفّ بعباءته میمماً وجهه نحو أرض التیه.

مادت «فدك» بأهلها... لقد جاء «محمد» تحمله الملائكة تخفق فوق رأسه أجنحة جبریل.

وجاء رجل من تلك النواحی یسعی:

- یا محمد لكم الأرض.. ولنا السلام.

- ولكم نصف ثمار الأرض.. والسلام.

و لما قال اللَّه:«وآت ذا القربی حقّه».

أعلن النبیّ:

- إنّ فدكاً لفاطمة.

ومن ذلك الیوم أضحت «فدك» رمزاً لانتصار الإنسان علی نفسه.. هزیمة «الاسخریوطی» و احتراق «العجل».

و ستبقی فدك رمزاً للأمانة التی أبت السماوات و الأرض أن یحملنها و حملها الإنسان.

و كانت فدك رمزاً لخلافة الإنسان علی الأرض..

ستكبر «فدك» و سیكون لها وجود فی الجغرافیة و فی التاریخ..


سوف تستوعب عدن، سمرقند أفریقیا، سیف البحر مما یلی الجزر و أرمینیا و سوف تكبر لتشمل التاریخ البشری بأسره.

لقد وهب اللَّه مریم كلمته فی المسیح و أعطی فاطمة فدكاً.

وأراد الیهود بعیسی كیداً.. و أرادوا أن یصلبوه فرفعه اللَّه إلیه.

وفدك ماذا سیحلّ بها یا تری... كیف سیتصرف «الوثن» العربی القابع فی الأعماق المظلمة..